مقياس حجابكنز للوعي

استفزني في الاونة الأخيرة بعض التصرفات والسلوكيات من البعض سنتطرق لها خلال هذه المقالة رغم أنه ليس من عادتي أن اتدخل أو أعلق على أمور من هذا النوع، ولكن اسمحوا لي في البداية أن أبين وأوضح ووفق منظوري الشخصي بأن الوعي والوعي بالذات هو محاولة لتجاوز الذات وتجاوز الإطار الفكري المعهود والمصطنع في التفكير، وتجاوز إطار المعتقدات والسلوكيات والتعاملات، وهذا لن يتحقق من داخل الإطار الخاص بالذات، ولا بقراءة كتاب أو حضور برنامج تدريبي ولا بالاستماع لمحاضر أو تطبيق تمرين، بل الأمر يستوجب مراقبة للذات من نقطة خارجية تمنحنا القدرة على التأمل فيها، والتأمل بسلوكياتها وأفعالها، وتقييم الدوافع والنوايا والشعور وما وراء الشعور ليتم محاسبتها بشكل صحيح، فإذا كان هذا ما يتعلق بالوعي في الذات، فما بالك بالوعي العام أو ما يسمونه بالوعي الكوني.

مصلطح الوعي أنا شخصياً أرى بأنه حالة متقدمة من الادراك لا أكثر، فأنا أدرك بأن تعرض الثلج للحراره سيتسبب في ذوبانه، والوعي هو أن أعلم لماذا وكيف يتم ذلك، فالوعي هو معرفة وادراك كل الاحتمالات.

طبيعة البشر وتركيبتها بحاجة دائماً لوجود قائد تسير من خلفه، وانا أرى بأن في هذا الشيء نوع من النظام ولا بأس فيه، ولكن على القادة أن يدركوا حجم المسؤولية التي لا تقتصر على توجيه المسير، بل تتطلب أن يكونوا قدوة حسنة ومثال يحتذى به، فالأب في بيته قدوه لأبنائه، والمدير في عمله قدوه لموظفيه، والمعلم قدوة لتلاميذه، والمدرب قدوه للمتدربين، والمحاضر قدوة للمستمعين، وقدوة يعني أنت مصدر ثقة ومثل أعلى وعرضة للتقليد والتشبه.

ظاهرة غريبة تتفشى في الآونة الأخيرة تتمثل بخلع الحجاب والتفاخر في هذا الإنجاز تعبيراً عن مستوى الوعي والتحرر الذي وصلوا إليه، وبتشجيع من المطبلين والمزمرين والمبرمجين، وأنا هنا لا أحاسب ولا أكفر فأثمك لك وحسنتك لك، ولكن عندما تكون محل قدوه للآخرين رغم تحفظي على البعض، فالأمر هنا ليس بحرية شخصية، فكل فعل أو قول أو سلوك أو قرار يجب أن يكون مدروساً ومحسوباً فهو محل تقليد وتعميم، وأي سلوك من التابعين والمقلدين حسنته لك وأثمه لك أيضاً. ولهذا أبرر لنفسي إنفعالي وإهتمامي بهذه الظاهرة التي تحزنني جداً برؤية أغطية الرأس تتتساقط واحداً تلو الآخر بحجة الوعي المقاس بتحرر هالشعرتين أو تقليداً لمن يدعون الوعي سعياً للحصول على الوسام.

ولأوضح أنا لست متشدداً ولست رجل دين أو شيخ، على العكس فأنا تجمعني صداقات مع جميع الفئات، ونظرتي للناس قائمة على انجازاتهم وعلى ما وصلوا إليه، ولا مشكلة لدي مع أي حواء غير محجبة وحتى إن كانت تلبس البكيني ما دامت هي كذلك في الأساس، ولكن الأقدام على سلوكيات غير مدروسة وغير صحيحة وأنت تعلم بأنك عرضه للتقليد من المعجبين والتبعة فهنا تكمن المشكلة، وللأسف معظم الواعيين في وقتنا هذا ما هم إلا مقلدين وتبعه، فمن يدعون الوعي وينشرونه لو كانوا واعيين حقاً بذواتهم لأدركوا سبب وجودهم وقدومهم على هذا الكوكب، وهذه السلوكيات التي نراها هنا وهناك فإن دلت فإنما تدل على أنهم ليسوا مدربين في الوعي بل هم مجرد مبرمجين وساعين وراء المال والشهرة.

إذا كنت تريد أن تكون في قائمة المؤثرين أذكرك بقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم- إذ قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

محاسبة الذات ودوافعها بعيداً عن الجزم بنزاهتها وبرائتها أمر هام تحديداً فيما يتعلق بالنظم والقواعد الموضوعة من رب الكون، ولكن للأسف نحن سطحيون ومقلدون لدرجة محزنة.