نقطة الإرتكاز
سأبدأ مقالتي هذه بسؤال ظاهره صغير وباطنه عميق: برأيكم ما هو أكثر شيء قد تخاف منه؟ إذا كنت ستجيب بأنك لم تعد قادراً أو بأنك غير مناسب ولا تستطيع، أنصحك عندها بالوقوف فورا وإعادة النظر، لأن الاستمرار بهذا الشعور يدفعك لأحد أمرين: إما الخسارة أو الاستسلام وهو الأولى والأفضل لك.
عليك إعادة استجماع قواك وتحديد وجهتك وشحن إرادتك التي ستعمل على تحويل أفكارك وأهدافك وتطلعاتك إلى حقيقة، فقط ركز على إرادتك وعلى ذاتك وأصنع ما تراه في عقلك، متجردا من كل ما تعتمد وتستند عليه من ركائز خارجية، فالسمعة والمنصب والتعظيم والتبجيل... الخ؛ لا يعتمد عليها؛ وكذلك الانتماءات لتيارات أو أحزاب أو مفكرين، فكلها نقاط خارجية يجب أن تتواجد جميعها، وحتى بتوافرها ستبقى هش ولن تتماسك ولن تصمد، إلا إذا كانت سارية السفينة تربط من جهة واحده.
عليك البحث عن نقطة ارتكاز ذاتيه داخليه تتجرد فيها من كل التبعية للمعتقدات والأفكار والشخوص، نقطة ارتكاز فوق كونية تستند على إيمانين لا يصلح أحدهما دون الآخر، وهما الإيمان بالله والإيمان بالذات، إذا تحصلت عليها فأنت عندها يمكن أن توصف بالقوي الغني الذي لا يتغير ولا يتأثر مهما تغيرت الأحوال والمواقف والصداقات والمكاسب، وستبقى سعيداً صبوراً وراضياً.
الحكيم سقراط يقول: أعرف نفسك، وكان الأولى أن يقول كما عقب أحدهم على مقولته هذه (هذب نفسك)، فشتان بينهما، أن تعرف نفسك هو أن تخوض حديثاً عن الذات، أما تهذيب النفس فهو أن تخوض حديثاً وتجارب معرفية في الذات، وأن تبحر فيها وترتقي بها، وتمارس السيطرة والتهذيب عليها، بسد ثغراتها وتجديد ما بلي منها وضخ قوى الإيمان فيها.
كل واحد منا يملك شيئاً لم يراه وقوة وقدره لم يلمسها ولم يدركها من قبل، عليك أن تؤمن وتدرك بأنك أعظم من هذا الكون، فالمسخر أقل من المسخر له، هذا الكون مجرد سحابه وأنت المطر، الكون صدفة وأنت اللؤلؤة، أترك القشور وركز على اللب عندها ستجد قوة لا تنضب.