top of page

الذات الحقيقية

كثر هم من يبحثون عن ذواتهم ويسعون لتحقيقها، وكثر هم من يعملون ويدعون بأنهم يسعون ويعملون لإصلاح هذا المجتمع والفكر من خلال أطروحاتهم الفكرية التي تصب كلها في تعزيز أفكار ومعتقدات خاطئة ترسخ بضرورة التحرر، مدعيين بأن في ذلك طريقاً لإكتشاف الحقيقة وتحقيق الذات، دافعيين ومتبنين لأفكار يدور فحواها بأني لن أحصل على السعادة ولن أحقق المتعة إلا بالالقاب والمناصب والأموال والجاه وعدد المتابعين والمعجبين...إلخ. وفي الحقيقة ليس بهذا تكتشف الذات وليس بهذا تتحقق ذواتنا، فما هذا إلا لعبة يجاملوا ويتباهوا بها تحقيقا وخدمة للذات الخيالية.


لا أريد أن يفهم هذا بأني أدعو لعدم العمل وطلب العلم وحب المال والمنصب والجاه، على العكس تماماً فأنا أدرس وأدرب التخطيط الحياتي، ولكن المقصد أن لا نجعل هدفنا من هذا خدمة لذواتنا الدنيوية، بل لنجعل من أعمالنا وأهدافنا وطموحاتنا خدمة لذاتنا الحقيقية وخدمة لغايتنا وسبب وجودنا.


يقول الحلاج: كانت لقلبي أهواء مفرقة...فأستجمعت مذ رأتك العين أهوائي.


ذاتك الخيالية ليست هي الحقيقة بل السعي ورائها يعتبر أداة للتشتيت والوهم وتبديداً للجهود والأعمال في ألف سبيل، فذاتك لن تجدها إلا في الداخل، لن تجدها إلا في قلبك...في مرآتك، ما عليك سوى تلميعها وتنظيفها بخدمة سبب وجودك، ولكن للأسف مهما فعلت ومهما حققت لن تحقق ذاتك ما دامت مرآتك مثقوبة ومنخوره وصدئه.

فالمعظم مهما انجز ومهما حقق ومهما فعل يشعر دائماً بالاحباط الممزوج بالحزن والخواء والضياع حتى بعد بحصوله على مبعت فرحته ومبتغاه، تستمر هذه المشاعر ناهشة به ومستبدة، فما السبب؟؟


يقول الفيلسوف نيكولا بردريايف: هذا العصر الذي نعيش يتنكر للأبدي والخالد، والمأساة الكبرى في هذا العصر أن يعتقد الإنسان أنه أوشك على تحقيق ذاته. بردريايف يود القول بأن في هذا رسالة واضحه من الكون بأننا لن نبلغ ذاتنا الحقيقية ولن نحقق السعادة لها، إلا بالرجوع لنافخ الروح فيها والتأمل به، عندها ستجد نفسك في حالة تجلي وعشق تبتلع الأزمان في بطنها، وبذلك فلا يكون ولن يكون إصلاحا للذات والمجتمع إلا بربطهم في الخالق دون تمثيلاً وتزييفاً وافتعالا.


فلنبحث في الباطن ولا نركز على الظاهر.


مقــالات مختــارة
آخـر المقــالات

Search By Tags

No tags yet.
Follow Us
  • Facebook Classic
  • Twitter Classic
  • Instagram Social Icon
bottom of page