أضيئوا مصابيحكم
كثر الحديث وكثرة الدعوات في الفترة الأخيرة على ضرورة حماية وحفظ حقوق الإنسان وعليه نشأت العديد من المنظمات الحقوقية الحكومية والمستقلة تدعو وتعمل على حفظ حق الإنسان في العيش الكريم وحقه في الصحة والتعليم والحريات العامة والحقوق الإقتصادية والاجتماعية، وتجاهلوا أهم الحقوق وهو الحق في معرفة الحقيقة، لأن ذلك سيؤرق كبار مبرمجي الشعوب.
الحقيقة مفهوم غامض تختلف معاييرها وطريقة الوصول إليها، مفهومها يختلف ويتنوع تبعاً لإختلاف الفكر والقول والواقع، والحقيقة ليست فقط ما يدرك بالحس المباشر، فهي ليست دائماً مطابقة بشكل مباشر للواقع بل قد تكون وجدانية على شكل إبداع فني وأدبي أو برهان ودلالة، فالحقيقة إما ثابت أو جوهر، الحقيقة هي خاصية الحق والقضايا الصادقة وكل ما تمت البرهنة عليه بشهادة شاهد، الحقيقة هي الواقع.
كثيرة هي الأطروحات التي تم تقديمها في مجال فهم الحقيقة وفي معظمها دعوة إلى مراجعة كل معارفنا وعلومنا المكتسبة والشك فيها ومقارنتها بمتضاداتها وإعادة بناء المعرفة وفق أسس عقلية يقينية، مستخدمين مبدأ الحدس والبداهة والتحليل والتجربة والمراجعة.
كثر هم من يتبعون فكرة أو معلومة أو قانون لمجرد إنه قد تم طرحها وتقديمها من قبل من يوصفون بالكبار والملهمين، دون البحث عن حقيقتها ومصداقيتها وإخضاعها للتجربة والمراجعة، فاقدين القدرة على إنارة عقولهم التي تميزهم عن سائر المخلوقات، فالجمل بسنام والأخطبوط بثلاثة قلوب والطائر بجناحين، ولكن يفتقدون لماذا؟ إنهم يفتقدون لهذا العقل المدرك الذي يتميز به البشر وفضلوا به، ولكن للأسف لا يستخدمونه أمام من يجلسون على عرش الكبار.
أمام ما ذكر، هل هذا يعني أن لا ألتفت لكل ما هو جديد بالنسبة لي؟ الجواب: بالتأكيد لا، علينا أن نهتم ونتابع وبكل شغف كل معلومة وفكرة وخبر، فكلها مهمة وضرورية ولا يستهان بها فأنا أتفق مع من يقولون في إنك قد تحتاج إليها في يوم ما، ولكن المهم أن لا نجعل من هذا الإهتمام مدخلاً للتبني المباشر أو الرفض والنقد، دون البحث الدؤوب المترافق مع السعي الدائم والمحاولة لإكتشاف الحقيقة. علينا أن نكون أكثر رصانة وصرامه وأكثر جدية وأكثر إحساساً بالمسؤولية إتجاه ما نغذي به عقولنا، ونحاول أن نرتقي بفكرنا وبمنهجنا، فالمستقبل للنابهين...المستقبل للأحرار وليس للحمقى ولا للعبيد، أنت لست عادياً، أنت تشارك في صناعة هذا الكون، لذا أجعل هدفك مقاربة الحقيقة.