top of page

صانعوا الأقدار

كثير منا يتساءل هل القدر حتمي أم يمكننا تغيره؟ هل ما تعلمناه بأن الله عز وجل كتب كل شيء وكل شيء يقع على ما كتبه الله؟ هل الفكر والنهج الذي يسير في اتجاه إمكانية تغيير القدر يمس عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر باعتباره واحدا من أركان الإيمان؟


لو بحثنا في أنواع القدر لوجدنا أن له أنواع عدة منها ما هو وراثي يجعلنا نسبيا من نحن عليه من ناحية الشكل والمضمون ويحدد استعدادنا وقدرتنا في شكل وإطار معين.

ونوع آخر يوصف بالقدر الاجتماعي الذي يعمل على صناعة أنماط محددة للتفكير والاعتذار والسلوكيات ويطلق عليه أيضا مسمى القدر البيئي وهو يحدد اختياراتنا الروحية.

أيضا الظروف التي نمر بها أو التي أوجدنا بها تعتبر نوعا من القدر، فمن يولد في أسرة معدمة ليس كمن يولد وفي فمه معلقة من ذهب ويصنف هذا بالقدر الطبقي.


تساؤلات جديدة تتولد هنا تحديداً، ما دمنا محكومين بكل هذه الأقدار فلماذا يتم محاسبتنا؟ ولماذا يتم دعوتنا لتغيير أنفسنا؟ وما مدى مسؤوليتنا إذا كنا نتاج للثقافة والمجتمع والطبقة؟


بداية يجب أن ندرك إنه لا يجوز لنا أن نكبر ونتفاخر بأقدارنا التي وجدنا أنفسنا بها، فهي ليست من أفعالك ولا اجتهاداتك، تفاخر وتباهى فقط بما فعلت بهذه المكاسب، وما الذي أنجزته.


عقيدة الإيمان بالقدر تقسم لقسمان، الأول حاله قبل الفعل وتكون بالاستعداد والاستعانة بالله لرسم وخط القدر، والثانية حالة ما بعد القدر وتكون في حالة قضاء القدر دون التأثير عليه والاستعداد له وهنا يستوجب الرضى به، وبفهمنا لعمق هذه العقيدة ندرك أنه يتوجب علينا الاستعداد، وإن لم نستعد نرضى مهما كانت النتيجة.


النظام الكوني الذي أوجده الله يضع لنا دور في رسم أقدارنا، فعند رؤيتك لرؤيا ما في منامك، فإنها تقع إن عبرت وعلى ما عبرت، وهذا ما أكدته العديد من الأحاديث النبوية الصحيحة، وفي هذا دلالة واضحة على دورنا في تحديد مصائرنا وفيه نوع من المشاركة.


من منظوري الخاص في هذا الموضوع، لكل منا مجموعة من الأقدار المتاحة، تخيلها على شكل دوائر خلقت أنت في إحداها نتيجة لما ذكرناه في أنواع القدر، إذا بقيت فيها ولم تعمل عليك الرضى بالنتائج، وإن استعددت وساهمت في رسم وتحديد مصيرك انتقلت إلى احتمال أو قدر جديد (دائرة جديدة أو تيار جديد) وفق ما تريده أنت.


تخيل القدر والنظام الكوني كماء النهر يجري في تياره ليصب في بحر ما، ولكن إن وضعت سد أو غيرت مجراه من خلال إيجاد قناة جديدة فقد تغير قدره ومساره، لذا لكل منا قدر افتراضي يسير وفقه دمنا لا نعمل، واحتمالات وأقدار أخرى كثيرة للمجتهدين والعاملين والمخططين.

المشكلة تكمن في إننا تعلمنا أن نلقن ونعيد ترتيب أي شيء جديد ضمن أطر فكرية جاهزة، رغم أن الإنسان بطبيعته مفطور على حركة الاختيار ويطبقها في حياته اليومية، فأنت لا تعاقب الجماد كالنار والرياح والماء مهما أصابك من ضرر منها، فأنت تعلم أنها غير مخيرة، أما إساءة الآخرين لك وأذيتهم بقول أو فعل تدفعك لأن تثور عليهم لأنك تعلم إنهم مخيرين وأصحاب إرادة.

يقول ابن بهلول: لا تنطق بما كرهت فربما عبث اللسان بحادث فيكون، وقيل: تفاءل بما تهوى يكن! فلقل ما قيل لشيء كان إلا تحققا.


وهنا نصل لنتيجة بأن الإنسان مسير ومخير، مسير فيما لا يعلم ومخير فيما يعلم، وبالاستعداد يزيد العلم، لذا كن مستعداً لعامك الجديد.

مقــالات مختــارة
آخـر المقــالات

Search By Tags

No tags yet.
Follow Us
  • Facebook Classic
  • Twitter Classic
  • Instagram Social Icon
bottom of page